التصوير .. المدينة والروح
يُعد المصور الأردني إبراهيم نبيل أحد أبرز الأسماء في عالم التصوير الفني والمعماري والتجريدي. انطلقت رحلته من قلب البيت، حيث نشأ وسط بيئة مشبعة بالصور والعدسات. والده رحمه الله كان مصورًا مرموقاً، وكان لديهم غرفة مظلمة واستوديو خاص ومعمل لتحميص وطباعة الصور الملونة ايضاً، مما أتاح له فرصة مبكرة للعمل في تحميض الأفلام وطباعتها. هذه التجربة لم تعلّمه فقط الجانب التقني، بل فتحت له أبوابًا لفهم القوة العاطفية للصورة.
من الهواية إلى الفن
في عام 2018، اكتشف إبراهيم شغفه الحقيقي بالتصوير الفني الإبداعي. لم يكن يبحث عن مجرد تقليد أو تكرار، بل أراد أن يصنع أسلوبًا بصريًا يحمل توقيعه الخاص. هذا التحول كان نقطة انطلاق نحو مسيرة فنية متميزة.
وفي عام 2019، حصل على المركز الأول في فئة "المؤثرات الخاصة" ضمن جوائز التصوير الدولية (IPA) في نيويورك، عن سلسلة "شرق عمّان" التي وثّقت المباني القديمة المتلاصقة بأسلوب بصري يحكي قصصًا صامتة. هذه السلسلة حصدت لاحقًا أربع جوائز إضافية في مهرجان Siena Creative Photo Awards في إيطاليا، مما عزّز مكانته الفنية ودفعه نحو استكشاف أعمق لطبقات السرد البصري.
المدينة كذاكرة
يرى إبراهيم أن تكرار العمارة في أحياء عمّان القديمة يحمل طابعًا ساحرًا. فطريقة تراصّ البيوت وتشبثها ببعضها البعض تروي قصة جماعية صامتة. كل زيارة للمكان تفتح له شعورًا مختلفًا—ليس فقط بصريًا، بل عاطفيًا أيضًا. هذه المشاهد تمثل له الذاكرة، والإنسان، والزمن.
أسلوب يحمل توقيعًا
أسلوبه الفني يُشبه التوقيع الشخصي—حتى دون اسمه، يمكن لمن يعرف أعماله أن يتعرف عليها. يحب العمل مع الظلال، الألوان، والتباينات، سواء كانت نابضة بالحياة أو بالأبيض والأسود. يسعى دائمًا للتعبير عن مشاعر تتراوح بين الهدوء والحدة، ويحرص على أن تكون صوره أصلية وغير نمطية.
تنوّع بصري لا يُحد
يرتبط إبراهيم بشدة بالتصوير التجريدي والمعماري والطبيعي، حيث يجد فيها مساحة لاستكشاف الشكل والضوء والإيقاع والمشاعر البصرية. كما يهوى تصوير الأحداث واللحظات الإنسانية، وبدأ مؤخرًا في استكشاف التصوير الفوتوغرافي للشوارع، لما فيه من عفوية وصدق.
يؤمن أن التنوع هو سر التجدد، وأنه لا ينبغي للمصور أن يحصر نفسه في نوع واحد. كل مشهد يحمل فرصة جديدة، وكل إحساس بصري فريد يستحق أن يُوثّق.
التصوير كجسر ثقافي
من خلال مشاركاته في معارض بألمانيا والصين، لاحظ إبراهيم كيف يتفاعل الجمهور الأجنبي مع صور الأماكن التي يعتبرها "عادية" في بلده. المباني القديمة في عمّان أثارت دهشة البعض، وذكّرتهم بأماكن في الصين. هذا التفاعل جعله يدرك أن الصورة يمكن أن تكون جسرًا ثقافيًا، وأن نظرة الزائر دائمًا تحمل زاوية جديدة. بهذه الروح، أنجز سلسلة في نيويورك نالت جوائز عالمية في فرنسا والولايات المتحدة.
الصورة كلوحة فنية
يرى إبراهيم أن الصورة لا تكتمل بمجرد التقاطها، بل تحتاج إلى معالجة فنية تعبّر عن رؤيته. بعض الأعمال تتطلب تعديلًا بسيطًا، وأخرى تحتاج إلى تدخل أعمق لإبراز فكرة أو شعور معين. التحرير بالنسبة له هو المكان الذي يترك فيه بصمته غير المرئية.
فلسفة فنية
بالنسبة له، الصورة الخالدة يجب أن تحمل الأصالة، والأسلوب، والتميّز. مثل لوحة الموناليزا، الأعمال العظيمة تزداد قيمة مع الزمن. لا يتعلق الأمر بالموضة، بل بصناعة شيء يتجاوز اللحظة ويعيش طويلًا.
ورغم تطور الذكاء الاصطناعي، يؤمن إبراهيم أن "اللمسة البشرية" لا يمكن استبدالها. الصورة الفنية تحمل روحًا وعمقًا لا يمكن تقليده. وينصح المصورين الشباب بالتركيز على الأصالة، لأنها وحدها ما يبقى.
نصيحة للمصورين الصاعدين
أهم درس تعلّمته هو قيمة التفرّد. اسلوبك هو هويتك. طوره ونميه ليكون بصمتك ، وابنِ مساحتك الخاصة، واجعل توقيعك الفني قويًا لدرجة أنه لا يحتاج إلى اسم. دع أعمالك تتحدث قبلك.